سورة الروم - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الروم)


        


{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20)}
{وَمِنْ ءاياته} الباهرة الدالة على أنكم تبعثون دلالة أوضح من دلالة ما سبق فإن دلالة بدأ خلقهم على إعادتهم أظهر من دلالة إخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي ومن دلالة إحياء الأرض بعد موتها عليها {أَنْ خَلَقَكُمْ} أي في ضمن خلق آدم عليه السلام لما مر مرارًا من أن خلقه عليه السلام منطو على خلق ذرياته انطواء إجماليًا {مّن تُرَابٍ} لم يشم رائحة الحياة قط ولا مناسبة بينه وبين ما أنتم عليه في ذاتكم وصفاتكم، وقيل: خلقهم من تراب لأنه تعالى خلق مادتهم منه فهو مجاز أو على تقدير مضاف {ثُمَّ إِذَا أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ} أي في الأرض تتصرفون في أغراضكم وأسفاركم، {وَإِذَا} فجائية و{ثُمَّ} على ما ذهب إليه أبو حيان للتراخي الحقيقي لما بين الخلق والانتشار من المدة، وقال العلامة الطيبي: إنها للتراخي الرتبي لأن المفاجأة تأبى الحقيقي. ورد بأنه لا مانع من أن يفاجىء أحدًا أمر بعد مضي مدة من أمر آخر أو أحدهما حقيقي والآخر عرفي. وتعقب بأنه على تسليم صحته يأباه الذوق فإنه كالجمع بين الضب والنون فما ذكره الطيبي أنسب بالنظم القرآني، والظاهر أن الجملة معطوفة على المبتدأ قبلها وهي بتأويل مفرد كأنه قيل: ومن آياته خلقكم من تراب ثم مفاجأتكم وقت كونكم بشرًا منتشرين كذا قيل، وفي وقوع الجملة مبتدأ ثل هذا التأويل نظر إلا أن يقال: إنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع ويتخيل من كلام بعضهم أن العطف على {خَلَقَكُمْ} بحسب المعنى حيث قال: أي ثم فاجأتم وقت كونكم بشرًا منتشرين، ويفهم من كلام صاحب الكشف في نظر الآية أعني قوله تعالى الآتي: {وَمِنْ ءاياته أَن تَقُومَ السماء والارض بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مّنَ الارض إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ} [الروم: 52] أنه إقيمت الجملة مقام المفرد من حيث المعنى لأنها تفيد فائدته، والكلام على أسلوب {مَّقَامُ إبراهيم وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِنًا} [آل عمران: 79] لأنه في معنى وأمن داخله، وأما من حيث الصورة فهي جملة معطوفة على قوله تعالى: {وَمِنْ ءاياته أَنْ خَلَقَكُمْ} وفائدة هذا الأسلوب الإشعار بأن ذلك آية خارجة من جنس الآيات مستقلة بشأنها مقصودة بذاتها فتأمل.


{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)}
{وَمِنْ ءاياته} الدالة على البعث أيضًا {أَنْ خَلَقَ لَكُم} أي لأجلكم {مّنْ أَنفُسِكُمْ أزواجا} فإن خلق أصل أزواجكم حواء من ضلع آدم عليه السلام متضمن لخلقهن من أنفسكم على ما عرفت من التحقيق فمن تبعيضية والأنفس عناها الحقيقي، ويجوز أن تكون {مِنْ} ابتدائية والأنفس مجاز عن الجنس أي خلق لكم من جنسكم لا من جنس آخر، قيل: وهو الأوفق بقوله تعالى: {لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا} أي لتميلوا إليها يقال: سكن إليه إذا مال فإن المجانسة من دواعي النظام والتعارف كما أن المخالفة من أسباب التفرق والتنافر {وَجَعَلَ بَيْنَكُم} أي بين الأزواج إما على تغليب الرجال على النساء في الخطاب أو على حذف ظرف معطوف على الظرف المذكور أي جعل بينكم وبينهن كما في قوله تعالى: {لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ} [البقرة: 285] وقيل: بين أفراد الجنس أو بين الرجال والنساء، وتعقب بأنه يأباه قوله تعالى: {مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} فإن المراد بهما ما كان منهما بعصمة الزواج قطعًا أي جعل بينكم بالزواج الذي شرعه لكم توادًا وترحمًا من غير أن يكون بينكم سابقة معرفة ولا مرابطة مصححة للتعاطف من قرابة أو رحم قيل: المودة والرحمة من الله تعالى والفرك وهو بغض أحد الزوجين الآخر من الشيطان.
وقال الحسن. ومجاهد. وعكرمة المودة كناية عن النكاح والرحمة كناية عن الولد، وكون المودة عنى المحبة كناية عن النكاح أي الجماع للزومها له ظاهر، وأما كون الرحمة كناية عن الولد للزومها له فلا يخلو عن بعد، وقيل: مودة للشابة ورحمة للعجوز، وقيل: مودة للكبير ورحمة للصغير، وقيل: هما اشتباك الرحم والكل كما ترى {إِنَّ فِى ذَلِكَ} أي فيما ذكر من خلقهم من تراب وخلق أزواجهم من أنفسهم وإلقاء المودة والرحمة فهو إشارة إلى جميع ما تقدم، وقيل: إلى ما قبله وليس بذاك، وما فيه من معنى البعد مع قرب المشار إليه للإشعار ببعد منزلته {لاَيَاتٍ} عظيمة لا يكتنه كنهها كثيرة لا يقادر قدرها {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} في تضاعيف تلك الأفاعيل المبنية على الحكم، والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبله مع التنبيه على أن ما ذكر ليس بآية فذة بل هي مشتملة على آيات شتى وأنها تحتاج إلى تفكر كما تؤذن بذلك الفاصلة. وذكر الطيبي أنه لما كان القصد من خلق الأزواج والسكون إليها وإلقاء المحبة بين الزوجين ليس مجرد قضاء الشهوة التي يشترك بها البهائم بل تكثير النسل وبقاء نوع المتفكرين الذين يؤديهم الفكر إلى المعرفة والعبادة التي ما خلقت السموات والأرض إلا لها ناسب كون المتفكرين فاصلة هنا.


{وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)}
{وَمِنْ ءاياته خَلْقُ السماوات والارض *واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ} أي لغاتكم بأن علم سبحانه كل صنف لغته أو ألهمه جل وعلا وضعها وأقدره عليها فصار بعض يتكلم بالعربية وبعض بالفارسية وبعض بالرومية إلى غير ذلك مما الله تعالى أعلم بكميته. وعن وهب أن الألسنة اثنان وسبعون لسانًا في ولد حام سبعة عشر وفي ولد سام تسعة عشر، وفي ولد يافث ستة وثلاثون، وجوز أن يراد بالألسنة أجناس النطق وأشكاله فقد اختلف ذلك اختلافًا كثيرًا فلا تكاد تسمع منطقين متساويين في الكيفية من كل وجه، ولعل هذا أولى مما تقدم. والإمام حكى الوجه الأول وقدم عليه ما هو ظاهر في أن المراد بالألسنة الأصوات والنغم ونص على أنه أصح من المحكي {وألوانكم} بياض الجلد وسواده وتوسط فيما بينهما أو تصوير الأعضاء وهيئاتها وألوانها وحلاها بحيث وقع التمايز بين الأشخاص حتى أن التوأمين مع توافق موادهما وأسبابهما والأمور الملاقية لهما في التخليق يختلفان في شيء من ذلك لا محالة وإن كانا في غاية التشابه، فالألوان عنى الضروب والأنواع كما يقال: ألوان الحديث وألوان الطعام، وهذا التفسير أعم من الأول، وإنما نظم اختلاف الألسنة والألوان في سلك الآيات الآفاقية من خلق السموات والأرض مع كونه من الآيات الأنفسية الحقيقة بالانتظام في سلك ما سبق من خلق أنفسهم وأزواجهم للإيذان باستقلاله والاحتراز عن توهم كونه من متممات خلقهم {إِنَّ فِى ذَلِكَ} أي فيما ذكر من خلق السموات والأرض واختلاف الألسنة والألوان {لاَيَاتٍ} عظيمة كثيرة {للعالمين} أي المتصفين بالعلم كما في قوله تعالى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العالمون} [العنكبوت: 43] وقرأ الكثير {العالمين} بفتح اللام، وفيه دلالة على وضوح الآيات وعدم خفائها على أحد من الخلق كافة.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10